في يناير 2018، كان عالم كرة القدم يترقب بحماس انتقال أليكسيس سانشيز إلى مانشستر يونايتد، في صفقة وُصفت بأنها الأبرز في ذلك العام. النجم التشيلي، الذي كان في قمة مستواه مع أرسنال، تم تقديمه كالحل السحري لمشكلات مانشستر يونايتد الهجومية، وكان منحه القميص رقم 7 الشهير بمثابة إعلان عن بدء فصل جديد يحمل آمالًا كبيرة للنادي واللاعب.
تحت قيادة المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو، المدرب الذي اشتهر بقدرته على تحقيق البطولات ولكنه أثار دائمًا الجدل بأساليبه الصارمة، كان يُنتظر من سانشيز أن يقود الفريق نحو الأمجاد. ومع ذلك، فإن الحلم الذي بدأ بتوقعات طموحة لم يلبث أن تحول إلى واحدة من أكثر التجارب إحباطًا في تاريخ اللاعب والنادي على حد سواء. فماذا حدث؟ وكيف انتهى الأمر بفشل هذه التجربة التي كانت محط أنظار العالم؟
الانتقال الذي أثار ضجة في كرة القدم
انتقل سانشيز إلى مانشستر يونايتد في صفقة تبادلية، تضمنت انتقال هنريك مخيتاريان إلى أرسنال.
في وقتها، كان سانشيز واحدًا من أفضل اللاعبين في الدوري الإنجليزي الممتاز، وكان يُعتبر قطعة ناقصة في تشكيلة مورينيو الساعية للعودة إلى القمة.
الجميع كان يتوقع أن يُحدث سانشيز تغييرًا فوريًا في الفريق.
اختيار سانشيز لمانشستر يونايتد بدلاً من مانشستر سيتي كان مفاجئًا.
بيب جوارديولا أراد اللاعب في مشروعه مع السيتي، لكن مكالمة شخصية من جوزيه مورينيو غيرت مسار الصفقة.
مورينيو لم يعرض فقط عقدًا مغريًا، بل قدم رؤية بأن سانشيز سيكون محور المشروع الجديد لمانشستر يونايتد.
القميص رقم 7، الذي كان إرثًا حمله أعظم أساطير النادي مثل جورج بيست وكريستيانو رونالدو، مُنح لسانشيز.
هذا الرقم لم يكن مجرد قميص، بل حمل معه توقعات هائلة، وضغوطًا إضافية لم يكن من السهل على أي لاعب تحملها.
الأداء على أرض الملعب: البداية التي لم تكتمل
على الرغم من الضجة الإعلامية حول انتقاله، لم تكن بداية سانشيز مع مانشستر يونايتد مبشرة.
أول مباراة له كانت في كأس الاتحاد الإنجليزي أمام يوفيل تاون، حيث قدم أداءً جيدًا وأظهر لمحات من موهبته، لكن هذه اللمحات لم تتكرر بانتظام في المباريات التالية.
في الدوري الإنجليزي الممتاز، ظهر سانشيز في 12 مباراة خلال النصف الثاني من موسم 2017-2018، وسجل هدفين فقط.
في الموسم التالي (2018-2019)، شارك في 20 مباراة بالدوري وسجل هدفًا واحدًا فقط، مع تقديم 3 تمريرات حاسمة.
الأرقام كانت بعيدة كل البعد عن تلك التي حققها سانشيز مع أرسنال، حيث سجل 60 هدفًا وصنع 25 تمريرة حاسمة في 122 مباراة بالدوري.
هذا التراجع لم يكن مفاجئًا فقط للجماهير، بل أثار أيضًا تساؤلات حول سبب هذا الانحدار الحاد في المستوى.
أسباب الفشل: الجانب التكتيكي والنفسي
هناك العديد من الأسباب التي ساهمت في فشل تجربة سانشيز مع مانشستر يونايتد، بعضها كان تكتيكيًا، والبعض الآخر كان نفسيًا.
1. التكتيكات المقيدة لجوزيه مورينيو
مع أرسنال، كان سانشيز يتمتع بحرية هجومية كبيرة في نظام أرسين فينغر، الذي اعتمد على بناء الهجمات عبر التمريرات القصيرة والتحركات الإبداعية.
أما في مانشستر يونايتد، فقد وجد سانشيز نفسه محاطًا بتكتيكات دفاعية صارمة.
مورينيو كان يعتمد على الانضباط التكتيكي، وهو أسلوب لم يكن مناسبًا للاعب يعتمد على الحرية في اتخاذ القرارات داخل الملعب.
اللاعب وجد نفسه مطالبًا بالقيام بأدوار دفاعية، مثل التغطية على الظهير الأيسر، وهو أمر لم يعتده في أرسنال أو برشلونة.
هذا التحول أثّر على أدائه الهجومي، وجعله يظهر وكأنه لاعب فاقد للثقة.
2. الضغط النفسي والانتقادات الإعلامية
منذ اليوم الأول، كان سانشيز تحت ضغط هائل.
راتبه الضخم الذي قُدر بنحو 500 ألف جنيه إسترليني أسبوعيًا جعله محط أنظار الإعلام والجماهير.
كل تمريرة خاطئة، وكل فرصة مهدرة، كانت تُقابل بانتقادات لاذعة.
سانشيز نفسه اعترف لاحقًا بأنه شعر بعدم الراحة منذ البداية.
في مقابلة أجريت معه بعد رحيله عن النادي، قال: “بعد أول تدريب، فكرت في العودة إلى أرسنال. لم أشعر أنني في المكان المناسب.”
3. الإصابات وتأثيرها على جاهزيته البدنية
خلال موسمه الثاني مع يونايتد، تعرض سانشيز لسلسلة من الإصابات أثرت على لياقته البدنية.
غاب عن العديد من المباريات، وحتى عندما كان جاهزًا، لم يكن في أفضل حالاته.
الإصابات لم تؤثر فقط على أدائه البدني، بل ساهمت أيضًا في زيادة عزلته داخل الفريق.
فيكتور جيوكيريس: السلاح الجديد الذي يخطط مانشستر يونايتد لضمه في يناير
العلاقة مع مورينيو: شراكة قصيرة ومتوترة
مورينيو في البداية كان داعمًا لسانشيز، وأكد مرارًا أنه لاعب مميز يمكن الاعتماد عليه في اللحظات الكبيرة.
لكن مع تراجع أداء اللاعب، بدأت تظهر التوترات بين الطرفين.
في أكتوبر 2018، تم استبعاد سانشيز من قائمة الفريق لمباراة ضد وست هام.
هذا القرار أثار غضب اللاعب، وظهرت تقارير تشير إلى أن العلاقة بينه وبين مورينيو كانت متوترة بسبب “عدم التزامه التكتيكي”.
مورينيو، المعروف بتصريحاته المثيرة للجدل، كان ينتقد بعض اللاعبين بشكل غير مباشر في وسائل الإعلام.
وعلى الرغم من أنه لم يذكر أسماء، إلا أن الكثيرين اعتبروا أن سانشيز كان من بين هؤلاء اللاعبين.
خدعة سلة الغسيل: كيف تحدى مورينيو قوانين اليويفا ونجا بأعجوبة
تصريحات سانشيز بعد الرحيل
بعد انتقاله إلى إنتر ميلان في 2019، تحدث سانشيز بصراحة عن تجربته في مانشستر يونايتد.
قال: “كنت أريد أن أكون سعيدًا، لكنها لم تكن البيئة المناسبة لي. شعرت بأنني غريب.”
قارن تجربته مع مانشستر يونايتد بتجربته في إنتر ميلان، حيث وجد بيئة أكثر إيجابية وداعمة تحت قيادة أنطونيو كونتي.
في إنتر، بدأ سانشيز يستعيد مستواه تدريجيًا، وكان جزءًا من الفريق الذي فاز بلقب الدوري الإيطالي موسم 2020-2021.
ما يمكن تعلمه من التجربة
تجربة أليكسيس سانشيز مع مانشستر يونايتد تُظهر أن النجاح في كرة القدم لا يعتمد فقط على الموهبة، بل يتطلب توافقًا نفسيًا وتكتيكيًا بين اللاعب والفريق.
1. أهمية التوافق بين المدرب واللاعب
- اللاعبون الذين يعتمدون على الحرية الإبداعية يحتاجون إلى مدربين يمكنهم استغلال هذه القدرات.
2. البيئة الإيجابية
- اللاعبون بحاجة إلى دعم نفسي مستمر، خاصة عند الانتقال إلى نادٍ كبير بمتطلبات وضغوط عالية.
3. المرونة التكتيكية للمدرب
- المدربون الذين يصرون على خطط محددة دون تعديلها وفقًا لقدرات لاعبيهم قد يخسرون أفضل ما لديهم.
الخاتمة
قصة أليكسيس سانشيز مع مانشستر يونايتد هي درس مهم لكل من اللاعبين والمدربين والإداريين في عالم كرة القدم.
من نجم تألق مع أرسنال إلى لاعب فقد بريقه في مانشستر، تبقى هذه التجربة مثالًا واضحًا على أهمية التوافق بين اللاعب والمدرب، وأهمية البيئة الإيجابية في تحقيق النجاح.
اليوم، مع استعادته لمستواه تدريجيًا مع إنتر ميلان، تظل قصة سانشيز تذكيرًا بأن الإصرار والدعم المناسب يمكن أن يعيد أي لاعب إلى القمة.